من إعجاز الترتيب القرآني في سورة الرحمن
الآية: " فبأي آلاء ربكما تكذبان "
في سورة الرحمن ، السورة رقم 55 والمؤلفة من 78 آية ، تطالعنا آية مميزة عدديا بين آيات القرآن كلها ، إنها قوله تعالى " فبأي آلاء ربكما تكذبان " وسبب ذلك التميز أن هذه الآية، تتكرر في سورة الرحمن مرات كثيرة ، بصورة لافتة للانتباه .
وسؤالنا هنا : ما دلالة ذلك التكرار ؟ هل هو تكرار بحساب موزون ، أم غير ذلك – كما حسبه المشككون بالقرآن ؟
يكشف تكرار هذه الآية المميزة ، عن جانب من أسرار القرآن في ترتيب سوره وآياته ، وبالتالي يوفر الرد المناسب على ما أثاره هذا التكرار من تساؤلات ، ويدل على أن ترتيب سور القرآن وآياته توقيفي ( تم بالوحي ) ..
هنا مسألة أحب التنبيه إليها : للقرآن طريقته الخاصة في الترتيب ، فهي لا تخضع لقواعد البحث العلمي المألوفة لدينا ، وهو ما أعتبره دليلا على أن هذا الترتيب إلهي ، فلو كان كما يتصوره البعض خاضعا للمقاييس البشرية ومفصلا حسب مقاساتها لكان موضع شبهة ..
وعلى أي حال سأورد فيما يلي فقرة من أسرار الترتيب القرآني في الآية " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أما البحث الكامل فلا بد أن يصدر في كتاب أولا .. . وتيسيرا على القارئ ، فقد ارتأينا أن نجعل ملاحظاتنا مرقمة ، بعيدة عن التفاصيل التي تحتاج إلى عناء في التدبر .
وهذه بعضها:
1- عدد مرات تكرار الآية :
إن عدد مرات تكرار هذه الآية المميزة على مستوى آيات القرآن كلها ، هو 31 مرة . إنه تكرار محدد بالعدد 31 لا غير ، ليس 29 مثلا . [ أذكركم بمقالتي عن إعجاز الترتيب في الآية 31 المدثر الآية الشارحة للحكمة من ذكر العدد 19 والمؤلفة من 57 كلمة] ومما يزيد من الإحكام والقصد في هذا التكرار ، أن المرة الأولى التي ترد فيها هذه الآية في السورة ، تأتي في موقع الترتيب 13 ، أي ع** العدد 31 ( ليس في الرقم 14 ) .
لقد اجتمع في هذه الآية العددان 13 و 31 . ( العدد 13 وع**ه )
(هل الغاية من هذا التكرار هو التأكيد أو ما شابه ذلك ؟ بالطبع لا . لو كان ذلك هو الهدف لكان كافيا تكرارها خمس مرات وحتى عشر ، التكرار المحدد ب 31 يعني التنبيه إلى هذا العدد بالذات .)
2 – موقع الآية أول مرة :
لقد جاءت الآية" فبأي ءالاء ربكما تكذبان " أول مرة في سورة الرحمن ، في موقع الترتيب 13 أي مسبوقة بـ 12 آية ، ومن لطائف القرآن ، أن مجموع كلمات هذه الآيات - السابقة للآية رقم - 13 هو 39 كلمة أي : 3 × 13 .
3 – موقع الآية آخر مرة :
وتوجهنا هذه الملاحظة إلى موقع الآية " فبأي آلاء ربكما تكذبان " الأخيرة ( أي المرة رقم 31 ) أين وردت ؟. نبحث عن الآية ونكتشف أنها ترد في رقم الترتيب 77 ، أي قبل نهاية السورة بآية واحدة ، ما السر هنا ؟ إنها بموقعها هذا تشكل مع الآية الأولى تأكيدا آخر للعدد 13 . إن مجموع عددي الآيات قبل الآية الأولى ، وبعد الآية الأخيرة هو 13 ( 12 + 1 ) .
ما معنى هذا ؟ هل هي المصادفة التي جاءت بهذا الترتيب ؟ ألا يدل هذا الترتيب على شيء ؟ لماذا لم تأت الآية الأخير آخر آية مثلا ؟
من الواضح أن موقعي الآيتين الأولى والأخيرة ، قد حـُددا بميزان وحساب دقيقين ..
وفي العلاقة التالية يتم التأكيد على القصد في تحديد موقعي الآيتين الأولى والأخيرة .
4 – مجموع أرقام الترتيب :
وليس هذا هو وجه الإعجاز الوحيد ، في تحديد موقعي الآيتين الأولى والأخيرة .
بقليل من التدبر ، نلاحظ أن مجموع الأرقام الدالة على مواقع ترتيب الآيات الـ 12 السابقة للآية الأولى هو 78 ( 1 + 2 + 3 + 4 ... + 12 ) ، وأن موقع الآية الأخيرة الذي جاء قبل نهاية السورة بآية ، يعني أن ما بعد الآية الأخيرة ، هو آية واحدة رقم ترتيبها 78 ، مماثل لمجموع أرقام ترتيب الآيات الـ 12 التي جاء ترتيبها قبل الآية الأولى .
لماذا 78 ؟ لأن عدد آيات سورة الرحمن هو 78 أيضا .
لقد حدد موقعا الآيتين ، الأولى والأخيرة ، على نحو يدل على أن عدد آيات سورة الرحمن هو 78 لا غير . ومن السهل ملاحظة أن العدد 78 هو حاصل ضرب 6 × 13 .
5 – عدد الآيات من الآية الأولى إلى الأخيرة :
وبما أن عدد آيات سورة الرحمن هو 78 آية ( أي 6 × 13 ) ، نستنتج أن عدد الآيات ابتداء من الآية " فبأي آلاء ربكما تكذبان " الأولى ، وحتى الآية الأخيرة ، هو 65 آية ( أي 5 × 13 ) ، من بينها 31 آية ، هي الآية " فبأي آلاء ربكما تكذبان " و 34 آية الباقية .
ونفهم هنا أن توزيع هذه الآيات ، قد تم وفق نظام محدد ، يلاحظ في موقع الآية الأولى وفي موقع الآية الأخيرة ، وفي تكرار الآية .
ويتم تأكيد القصد في هذا الترتيب ، من خلال الإشارات المكررة للعدد 13 .
6 - إحصاء قرآني :
ونكتشف أن موقع سورة الرحمن ، هو أحد مواقع الإحصاء القرآنية الذاتية .
إذا قمنا بإحصاء أعداد آيات القرآن ابتداء من البسملة ( الآية الأولى في القرآن ) ، وحتى بداية سورة الرحمن ، سنجد أن عددها هو 4901 . عدد من مضاعفات العدد 13 ( 377 × 13 ) . من الواضح أن موقع سورة الرحمن محدد بعناية إلهية ، وكذلك أعداد الآيات في جميع سور القرآن السابقة لها في ترتيب المصحف .
7 – موقع سورة الرحمن في ترتيب سور القرآن :
ما السر أن سورة الرحمن جاءت في الترتيب 55 ، ومؤلفة من عدد من الآيات محدد بـ 78 ؟ ماذا لو اتخذنا من موقع سورة الرحمن ، وعدد آياتها محورا لتقسيم سور القرآن وآياته ؟ هل سنجد إجابة لهذا التساؤل ؟
نعم . سنكتشف الرائعة التالية الموضحة في الجدول التالي :
سورة الرحمن ، السورة رقم 55 في ترتيب المصحف ، المؤلفة من 78 آية ، هي فاصلة بين مجموعتين من السور :
الأولى : 54 سورة قبلها ، مجموع آياتها 4901 ، ومجموع أرقام ترتيبها 1485 .ناتج جمع العددين هو 6386 ، مجموع أعداد الآيات وأرقام ترتيب السور .
الثانية : 59 سورة التالية لها ترتيبا ، مجموع آياتها 1257 ، ومجموع ترتيبها 5015 ، وناتج جمع العددين هو 6272 .
رائعة الترتيب القرآني هنا : أن الفرق بين المجموعين 6386 و 6272 هو 114 ، ومن المعلوم أن العدد 114 هو عدد سور القرآن الكريم .
8 – موقع الآية 13 سورة الرحمن :
في موقع الترتيب 13 في سورة الرحمن ، ترد الآية " فبأي آلاء ربكما تكذبان " للمرة الأولى . ما وجه الإعجاز في هذا الترتيب ؟
إضافة إلى مناسبة العدد 13 للعدد 31 ( محورا الترتيب ) ، والمناسبة للعدد 78 مجموع أرقام ترتيب الآيات السابقة للآية ( 78 = 6 × 13 ) ، والمناسبة لعدد آيات سورة الرحمن ، ومماثلته لرقم الآية الأخيرة ( 78 ). ففي ترتيب القرآن ما يزيد هذه الحقائق قوة وجمالا وبيانا وإحكاما . إحكاما عدديا وإحكاما بيانيا .
إذا أحصينا أعداد آيات القرآن ابتداء من البسملة ( الآية الأولى في القرآن ) وحتى الآية 13في سورة الرحمن، سنجد أن عددها هو 4914 . ( 4901 + 13 )
إننا في رحاب إحصاءات القرآن الذاتية ؟ لماذا ؟
العدد 4914 يساوي 63 × 78 .
تؤكد لنا هذه العلاقة من جديد ، أن عدد آيات سورة الرحمن هو 78 آية .
وقد روعي في عدد آيات القرآن السابقة للآية أن يأتي متسقا مع العدد 78 عدد آيات سورة الرحمن .
السر الآخر هنا : العدد 4914 يساوي أيضا 14 × 351 .
العدد 351 هو عدد كلمات سورة الرحمن .
إننا في رحاب إحصاء قرآني لعدد آيات سورة الرحمن ، ولعدد كلماتها . وقد تم تخزين ذلك في موقع ورود الآية " فبأي آلاء ربكما تكذبان " للمرة الأولى .
ومن الرائع حقا ، أن العدد 351 عدد كلمات سورة الرحمن ، هو أيضا من مضاعفات العدد 13 ( 351 = 27 × 13 ) .
9 - إحصاء قرآني للفظ الجلالة " الله " :
تحمل سورة الرحمن أحد أسماء الله الحسنى ، ومن اللافت للانتباه أن آياتها تخلو من ذكر لفظ الجلالة " الله " . هذه الملاحظة كانت موجهنا لإحصاء مرات ورود لفظ الجلالة "الله "في سور القرآن السابقة لسورة الرحمن في ترتيب المصحف . وكانت المفاجأة أن عددها هو 2418 مرة . ما وجه الإعجاز في هذا العدد ؟
إنه يساوي : 78 × 31 .
لنتأمل هذين العددين جيدا ..
78 : هو عدد آيات سورة الرحمن ، و 31 : هو عدد مرات تكرار الآية " فبأي ْآلاء ربكما تكذبان ) . وفي لغة الأرقام ما يزيد على هذا التوضيح .
هل هي مصادفة أن يأتي عدد مرات تكرار لفظ الجلالة في السور السابقة لسورة الرحمن عددا يساوي 78 × 31 ؟ أم أنه الترتيب الإلهي لكتابه المعجزة ؟
ونستنتج هنا أن عدد مرات ورود لفظ الجلالة في السور التالية لسورة الرحمن في ترتيب المصحف هو 281 . ما السر في هذا العدد ؟....................
سأكتفي بالقول أن لفظ الجلالة " الله " ورد في 31 سورة من بين سور النصف الثاني من القرآن .
( سور النصف الثاني : السور ال 57 الأخيرة في ترتيب المصحف ، ومن السهل أن نستنتج أنه لم يرد في 26 سورة ، عدد يساوي 2 × 13)
10 – تحمل سورة الرحمن اسما من أسماء الله الحسنى ( الرحمن ) ..
سأكتفي بذكر الملاحظة التالية : عدد آيات سورة الرحمن هو 78 وهو عدد مماثل لعدد الحروف المقطعة الواردة في أوائل بعض سور القرآن ..
لفظ " الرحمن " يتكرر في القرآن 57 مرة ، ويتألف من ستة أحرف .. إذا أحصينا تكرار الأحرف الستة في الحروف المقطعة سنجد أن عددها هو 57 ..
وسبحان الله العظيم ..
فيا أهل القرآن : ألا يدل هذا على أن ترتيب القرآن هو ترتيب إلهي ؟
وللعلم : توزيع لفظ " الرحمن " في القرآن يكفي وحده لإثبات إعجاز الترتيب القرآني ....
ترتيب القرآن لا يخضع للمقاييس البشرية لسبب بسيط : لأنه ليس بشريا ..
أما العدد 78 فيأخذك في جولة على امتداد سور القرآن كلها ...
نهاية الجزء الأول ...